أسماء الله وصفاته
الرد على من أنكروا صفات الله تعالى
وقد أنكر هذه الصفة المعتزلة والجهمية، أنكروا صفة العلم، وأنكروا صفة القدرة، واضطربوا في الأدلة التي تثبتها. قد رد عليهم العلماء رحمهم الله، من جملة من استوفى الأدلة على العلم الدارمي عثمان بن سعيد اسم> في رسالته المطبوعة التي هي بعنوان: الرد على الجهمية؛ فإنه لما ذكر صفة العلم سرد الأدلة من القرآن.كأنه استعرض لما في القرآن من آيات، وكذلك أيضا سرد الأدلة الحافظ الحكمي اسم> في كتابه الذي هو: معارج القبول شرح سلم الوصول إلى علم الأصول.
وكثرةُ الأدلة وتنوعها يدل على إثبات هذه الصفة؛ حيث أثبتها الله تعالى، وحيث ذكر الحكمة في إثباتها وما يلزم ممن نفاها، ذكرها الله تعالى في آية الكرسي في قوله تعالى: رسم> يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ قرآن> رسم> والضمير يعود على الخلق متقدميهم ومتأخريهم؛ أي: يعلم ما يكون قبلهم أي: ما سبقهم من المخلوقات وعجائبها ومكوناتها، ويعلم ما خلفهم، أي: ما يكون بعدهم وما يخلفهم، عليم بأوليهم وبآخريهم، وإذا كانوا كذلك فإنه عليم بأعمالهم وعليم بأحوالهم، وكذلك قول الله تعالى: رسم> يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى قرآن> رسم> ؛ يعني: قال بعضهم: إن السر هو ما يسره الإنسان في قلبه، ويحدث به نفسه، وأما الذي هو أخفى من السر فإنه يدخل فيه ما لم يخطر بباله؛ ولكن علم الله أنه سوف يتكلم به، أو سوف يحدث نفسه به، من الأمور الغيبية ومن الأمور المستقبلة؛ وإن لم يحصل في هذه الحال ولكن سوف يحصل.
لما ذكر الله تعالى صفاته في أول سورة طه في قوله تعالى: رسم> مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى قرآن> رسم> وفي سورة الأعلى قول الله تعالى: رسم> يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى قرآن> رسم> ؛ الجهر: هو الجهر بالكلام، يعني: إظهاره وإعلانه، وإسماعه لمن حوله، سواء كان جهرا كبيرا أو صغيرا، يعلم الجهر وكذلك يعلم ما يخفى؛ أي ما يخفيه الإنسان وهو السر، دليل أيضا على واسع علم الله تعالى، ومعلوم أن من علم الخفي علم الجلي، وكذلك يصف الله نفسه تعالى بالعلم، ويذكر العلة في ذلك، مثل قول الله تعالى: رسم> أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ قرآن> رسم> أي: كيف لا يعلم من خلق وهو لطيف بعباده، وهو الخالق لهم، وهو السميع لأقوالهم، البصير بأحوالهم؟ فإن جهله بأحوالهم يعتبر نقصا في حقه؛ فلا بد أن يكون عالما بأحوالهم وبأقوالهم وبغير ذلك.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم علم الله تعالى القديم، علمه بكل شيء، في الحديث المشهور قال: رسم> أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة متن_ح> رسم> أي: كتب القلم، جرى بأمر الله تعالى وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وفي حديث عمران اسم> المشهور قال النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> كان الله ولم يكن شيء قبله، وثبت وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض متن_ح> رسم> هكذا أخبر بقوله: كان الله، وبقوله: كتب في الذكر، ويفسر الذكر بأنه: ما ذكره أو بأنه اللوح المحفوظ الذي كتب الله تعالى فيه كل ما هو كائن إلى يوم القيامة؛ وهذا اللوح هو الذي سماه أم الكتاب في قول الله تعالى: رسم> يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ قرآن> رسم> أي هذا اللوح، وكذلك أخبر بأن القرآن مكتوب فيه، يعني: أزلا في قوله: رسم> بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ قرآن> رسم> رسم> ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ قرآن> رسم> أخبر تعالى: بأن القرآن في لوح محفوظ؛ يعني: مكتوب في ذلك اللوح، وكذلك أيضا مكتوب غيره، وفي هذا الحديث قال: رسم> أول ما خلق الله القلم متن_ح> رسم> وقد اختلف العلماء: هل القلم خلق قبل العرش أو خلق بعده؟ والراجح أن العرش قبل القلم، ذكر ذلك ابن القيم اسم> في النونية يقول:
والناس مختلفون في القلـم الـذي | كتب القضـاء بـه مـن الرحـمن |
هل كان قبـل العـرش أم هو بعده | قولان عنـد أبي العـلا الهمـداني |
والحـق أن العـرش قبـل لأنــه | وقت الكتـابـة كـان ذا أركــان |
يعني: ترجح أن العرش خلق قبل اللوح وقبل القلم، فالذي في اللوح من العلم لا يعلمه إلا الله تعالى. العلم الذي اختص الله تعالى به لا يطَّلع عليه غيره إلا من أطلعه على شيء منه من الملائكة أو من الأنبياء؛ فهو علم الله الذي اختص به، يدخل فيه علم ما سيكون من الأمور المستقبلة إلى آخر الدنيا مما لم يطلع عليه أحد إلا الله تعالى؛ فهو داخل في العلم الخفي الذي اختص الله تعالى به.
ولا شك أن وصف الله تعالى بالعلم صفة كمال؛ فإن ضده الجهل، والجهل صفة نقص، كيف يجهل شيئا مما في الوجود وهو الذي أوجد الوجود، وهو الذي يوجدهم، وهو الذي يعلم أحوالهم، ويعلم ما سوف يعملون ويعلم مصيرهم؟ فإذا أثبتنا العلم فقد أثبتنا لله صفة كمال يتميز بها ويختص بها سبحانه وتعالى، ومن نفى هذه الصفة كالمعتزلة فإنه يعتبر متنقصا لله سبحانه وتعالى ومفضلا لبعض المخلوقين على الخالق تعالى؛ وذلك لأن العلم شرف لمن علم فليس من يعلم كمن لا يعلم؛ حتى في المخلوقين قال تعالى: رسم> قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ قرآن> رسم> ؛ أي: لا يستوون.
مسألة>